بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول : خطة البحث
1 _ مقدمة البحث :
الحمد لله
رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين النبي الأمين الذي جعله الله قدوة
للمسلمين , قال تعالى : [لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ
وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] ([1])ثم أمره بأن يقتدي بمن سبقه
من الأنبياء , قال تعالى : [أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ]. ([2])
إن من أعظم الأمور التي ينتفع بها المسلم في الدنيا والآخرة، والتي فيها سعادته، وتُرفع بها درجته، أن يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -،الذي رباه ربه فأحسن تربيته وأدبه فأحسن تأديبه ، فهو الأسوة والقدوة الحسنة، ونحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى القدوة الصالحة؛ بسبب الضعف الذي أصاب حياة المسلمين، من خلال غلبة الأهواء، وإيثار المصالح الخاصة، وقلة القادة المخلصين، والعلماء العاملين، والدعاة الصادقين، فإن الاقتداء والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - أغلى ما يملكه المجتمع، وبه يسود وينتصر.
ولذلك فإن حاجة المسلمين في مختلف
بلدانهم تتطلب وجود القيادات والقدوات التي تكون نموذجاً حياً بحيث يرى الناس فيهم
كل معاني الخير والصلاح قولاً وفعلاً , فينجذبون إليهم ويتأثرون بهم , لأن التأثر
بالأفعال أبلغ بكثير من التأثير بالكلام وحده , فقد جاء على لسان شعيب عليه السلام
قوله تعالى : [وَمَا
أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ]. ([3])
فلابد
اذن للمجتمع من قدوة في مربيهم وقادتهم تتحقق فيهم المبادئ وينسج علي منواله
المربين .
نعم على المربي أن يحقق في نفسه ما يريد أن يحققه في الآخرين ، فيتعهد نفسه بالرعاية ويمتاز بالشفافية ، ويتحرى الصدق في المواقف ، والإخلاص في النية ، ومالم يستمد قادة التنشئة ومربيها نورهم من مشكاة النبوة وأخلاقهم من أخلاق النبوة ، ويصبحوا كالصحابة نجوما يهتدي بهم في ظلمات هذه الأيام فإن دعوتهم ستبقى ناقصة .
نعم على المربي أن يحقق في نفسه ما يريد أن يحققه في الآخرين ، فيتعهد نفسه بالرعاية ويمتاز بالشفافية ، ويتحرى الصدق في المواقف ، والإخلاص في النية ، ومالم يستمد قادة التنشئة ومربيها نورهم من مشكاة النبوة وأخلاقهم من أخلاق النبوة ، ويصبحوا كالصحابة نجوما يهتدي بهم في ظلمات هذه الأيام فإن دعوتهم ستبقى ناقصة .
ويقول الحنان الحاج : " وعلى المعلم أن يبدا
بنفسه وذالك لأنه في الحقيقة قدوة للمتعلمين فينظروا إليه على أنه مصدر لعلمهم ،
وعلى المعلم أن لا تخالف أقواله أفعاله " لأن الله عزوجل حذر من الوقوع في
الفعال التي تنهفي الأقوال ، قال تعالى :
[ أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ]. ([4]) ويقول سبحانه
وتعالى :
[ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ]. ([5]) ويقول النحلاوي : " القدوة الحسنة لها أهمية كبرى
في تربية الفرد وتنشئته علي اساس سليم في مرحلة النُضج والبلوغ ، والقدوة ذات أثر
كبير في سلةك الناشئين والشباب ، وقد يكون أثرها هذا إيجاباً أو سلبياً ، وكثيراً
ما تشكو معظم المجتمعات اليوم نت مظاهر الإنحراف وتلوم الشباب وتلح عليهم بالزر
والوعيد ، ولكن هذه الأساليب لا توصل إلى غايتها إذ إفتقد هؤلاء الشباب القدوة
الحسنة في الآباء والمعلمين والمربين ." ([6])
2 _ أهمية
البحث :
1_ تبين هذه الدراسة أن القدوة الحسنة في منهج التربوي
هي من أنجح الوسائل التربوية وأقواها تأثيرا في النفس البشرية ،
2_ يستفيد من هذه الدراسة الآباء الذين تقع عليهم
مسؤلية رعاية وتوجيه أبنائهم ، حتى يتعرفون على واجباتهم نحوهم في مراحلهم العمرية
المختلفة وفي مختلف جوانب التربية .
3_ يستفيد من هذه الدراسة المربون والمعلمون الذين
يتعاملون مع التلاميذ في المدارس تجاه هؤلاء التلاميذ .
3_ مشكلة
البحث :
المتأمل في المفاسد الإجتماعية بجميع صورها وأشكالها
يجد أنها وليدة البعد عن تنشئة الأجيال التنشئة الاسلامية ، وبوسائلها القدوة
الحسنة ، ونحن
اليوم في أمسّ الحاجة إلى القدوة الصالحة والمثل الأعلى بسبب المفاسد الذي أصاب مجتمع
المسلمين, لذلك فإن حاجة المسلمين في مختلف بلدانهم تتطلب وجود القيادات والقدوات
التي تكون نموذجاً حياً بحيث يرى الناس فيهم كل معاني الخير والصلاح قولاً وفعلاً
, فينجذبون إليهم ويتأثرون بهم .
4_ مصطلحات البحث :
1_ القدوة : القُدوة والقِدوة تقرأ بالضم
والكسر وهي تعني من يقتدي به الإنسان ويستن بسنته , فيقال : فلان قدوة يُقتدى به ,
والقدوة : المثال الذي يتشبه به غيره , فيعمل مثل ما يعمل , ويحذو حذوه في كل
صغيرة وكبيرة . ([7])
والقدوة مثل الأسوة , ويقال :
تأسيت به إذا اقتديت به , واتبعته في جميع أفعالي وأقوالي . ([8])
2_ الدوافع
النفسية للإقنداء : تعني بهذا
ما هو الشئ أو السب الذي يدفع الانسان أو الطفل إلي الإقتداء بالانسان الآخر .
3_أثر
القدوة علي الفرد والمجتمع : تعني بهذا تاثير القدوة الحسنة في سلوك الانسان
والمجتمع الذي يعيش فيه ، وإبعاد الانسانية علي التخلي عن الانحراف والتحلي بفضائل
الأعمال والأقوال .
4_المجتمع : عبارة عن مجموعة من الناس
، أو عن هائل من الأفراد جمعت بينهم روابط ، وأهداف مشتركة ، واستقروا في الأرض ،
والتزموا بعرف أو قانون . ([9])
وأما الفرد هو واحد منهم .
5 _ الدراسات السابقة :
1.
القدوة وأثرها في التعليم والتعلم
في منهج التربية الاسلامية ، رسالة دكتورة ،طارق بن عبدالله حجار ، كلية الدعوة
وأصول الدين ، الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة ، 1412ه .
2.
القدوة الحسنة ووسائطها في تربية
النشء والشباب ، رسالة ماجستر ، أحمد بن صالح القحطاني ، أصول التربة من معهد بحوث
ودراسات العالم الاسلامي ، جامعة أم درمان الاسلامية ، 1427ه .
6 _ موضوع البحث وحدوده :
هذه الدراسة تبحث عن أسلوب من أساليب التربية للفرد
والمجتمع الا وهى القدوة الحسنة ، وتبين هذه الدراسة أهمية القدوة في حياة المسلم
، وأثرها على الفرد والمجتمع .
وأما حدود البحث ، فقد تتناول هذه الدراسة مفهوم القدوة
الحسنة لغة و إصطلاحاً والفرق بينهما ، وكذالك مجموعة من العناصر الأساسية : مثل ،
أنواعها وأركانها ، والدوافع النفسية للإقتداء ، وأثرها على الفرد والمجتمع .
7 _ أسئلة
البحث :
السوال الرئيسي هو : ما هي القدوة الحسنة ، وما ثمراتها
علي الفرد والمجتمع ؟.
وتتفرع من هذا السوال ثلاثة أسئلة فرعية ، وهي :
1_ ما هو تعريف القدوة الحسنة ؟:
2_ ما هو أنواع القدوة الحسنة وأصولها ؟:
3_ ما الدوافع النفسية للاقتداء ؟:
الفصل الثاني : القدوة
الحسنة : وهو جواب عن السوال الأول من الأسئلة الفرعية .
معنى القدوة لغة :
القُدوة والقِدوة تقرأ بالضم
والكسر ، وقيل : مثله ، يعني بالضم والكسر والفتح في القاف ([10]) ويقال القُدوة والقِدوة لما
يقتدي به الإنسان ويستن بسنته ، فيقال : فلان قدوة يُقتدى به , والقدوة : المثال
الذي يتشبه به غيره , فيعمل مثل ما يعمل , ويحذو حذوه في كل صغيرة وكبيرة . ([11])
والقدوة مثل الأسوة , ويقال :
تأسيت به إذا اقتديت به , واتبعته في جميع أفعالي وأقوالي , قال تعالى : [أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ] {الأنعام:90} , تعني أولئك الذين قبلوا هدى الله فاقتدِ
بطريقهم في التوحيـد وتبليغ الرسالة وتطبيق الأحكام الشرعية , وقال تعالى : [وَإِنَّا عَلَى
آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ]
{الزُّخرف:23} , أي سائرون على منوالهم ومنهجهم وطريقتهم في هذه الحياة . ([12])
القدوة
إصطلاحا :
عُرفت القدوة بأنها : "إحداث
تغيير فب سلوك الفرد في الإتجاه المرغوب فيه ، عن طريق القدوة الصالحة ، وذالك بأن
يتخذ شجصا أو أكثر يتحقق فيهم الصلاح ، ليتشبه به ، ويُصبح ما يطلب من السلوك
المثالي أمراً واقعياً ممكن التطبيق " ([13])كما عُرفت بأنها :"الانسان
الذي يقتدي به ويتأسي به في جميع أحواله" ([14]) قال ابن كثير في تفسير هذه
الآية [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرًا] هذه الآية أصل كبير في
التأسي برسول الله في أقواله ، وأفعاله ، وأحواله . ([15])
القدوة الصالحة هي مثال من
الكمال النسبي المطلوب , يثير في الوجدان الإعجاب فتتأثر به تأثراً عميقاً ,
فتنجذب إليه بصورة تولد في الإنسان القناعة التامة به , والإخلاص الكامل له .
وهذا ينطبق على رسول الله صلى
الله عليه وسلم حيث كانت حياته مثار إعجاب الجميع مما جعلهم يتأثرون به .
الأسوة لغة : ما يُتعزى به ، والمثل([16]) أي القدوة .
الأسوة
إصطلاحا : فالأسوة كما يقول القرطبي رحمه الله (هو ما يتأسى به
أي يعتزي به فيقتدي به في جميع أحواله ) ([17])
الفرق بين القدوة
والأسوة :
(1) التأسي أشد في بابه من الاقتداء .
(2) التأسي
يجعل معنى الالتزام من الغير بشكل أقوى ولذلك فإنها جاءت مع النبي صلى الله عليه
وسلم باعتباره أفضل الأنبياء والمرسلين [ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. ].
أما القدوة فقـد جاءت مع غيره من الأنبيـاء والصالحين
من الصحابة وغيرهم [أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ] {الأنعام:90 يعني بالأنبياء والرسل السابقين لمحمد صلى الله عليـه
وسلم جميعـاً ، وكذلك ما ورد في قولـه صلى الله عليه وسلم ( اقتدوا باللذين من
بعدي أبي بكر وعمر ) ([18])
(3)الأسوة والقدوة بمعنى واحد ، ويقصد بها : السير
والاتباع على طريق المُقتدى به . ([19])
الفصل
الثالث : القدوة أنواعها وأركانها وأصولها : وهو جواب عن السوال الثاني
من الأسئلة الفرعية .
1_ القدوة
الحسنة : وهي
التي تتخذ الإقتداء برسول الله منهجا وسلوكاً ، وتأسي به صلى الله عليه وسلم في
تطبيقها العملي في واقع الحياة ، وهذا النوع إنما يسلكه ويوفق إليه من يرجوالله
واليوم الآخر ، وذخل الإيمان قلبه ، فعمل بالتنزيل ، وخشي من الجليل ، واستعد ليوم
الرحيل رجاء الثواب الجزيل ، وخوف العقاب الشديد . ([20])
2_ القدوة السيئة : وهي على عكس ذلك تماماً ,
فهي لا تتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتشرف بحمل الإسلام , بل إنها
تعتز بانتسابها لغيره , كقول المشركين حين دعتهم الرسل للتأسي بهم , قال تعالى : [إِنَّا وَجَدْنَا
آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ] {الزُّخرف:23} , فقولهم هذا عين التقليد والمحاكاة يكون ضاراً
ومفسداً وطريقاً لوصول المقلدين إلى دركات النقص التي انحدرت إليها أسوتهم السيئة
.
ولقد عرف دعاةُ الشر والفساد ما للقدوة
الصالحة من أثر محمود بين الناس , لذلك أخذوا يصنعون أمثلة ونماذج بشرية على
طريقتهم ذات مفاهيم وعقائد باطلة وأعمال ضالة فاسدة ومفسدة وأحاطوها بالأصباغ
والألوان الخداعة وسلطوا عليها الأضواء الإعلامية لإثارة الإعجاب بها في نفوس
الجماهير حتى تكون أسوتهم التي تقتدون بها .
ومن هذه الأمثلة البشرية
المصطنعة شخصيات ذات مذاهب هدّامة وآراء باطلة , أحاطها المفسدون بعبارات التمجيد
والإكبار ليتخذها الناس أسوة لهم يقتدون بها في أرائها وأفكارها , وخير دليـل على
ذلك ما يسمى بنجوم الفن والأناقة والغناء الماجن من رجال ونساء , ليكونوا أسوة
للناس يقتدون بهم في تفاهاتهم وسلوكهم والمنحرف حتى أمست هذه الأمثلة الساقطة هي
القدوة التي تقلدها الأجيال . ([21])
3-
القدوة المطلقة :
وهي تعني
الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر أعماله وتصرفاته وذلك لأنه بعث
ليقتدى به وليطاع بإذن الله فهو لا ينطق عن الهوى وإنما يوحى إليه , قال تعالى : [وَمَا يَنْطِقُ
عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] {النَّجم:3-4} .
والاقتداء
به والسير على نهجه هو النجاة الحقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة , فهو القدوة
الحسنة في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته لكي يستلهم الناس سلوكهم من هذه القدوة ,
قال تعالى : [لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ
وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21} .
ولقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة للناس جميعاً في جميع جوانب الحياة
فإذا تفكر الإنسان في أحوال القادة والمصلحين والسياسيين فإذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يضرب بقيادته وصلاحه أروع الأمثلة في هجرته إلى المدينة وإقامته للدولة
والمسجد وتأليفه بين الأوس والخزرج وفي سائر غزواته .
وإذا بحث
الناس في ميادين التربية وجدوا رسول الله يتربع على عروش المربين فإذا هو المربي
الكريم والقائد والمعلم الذي ربى أصحابه الكرام على الفضيلة والقيم العليا النبيلة
.
ولقد
اعتلى صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب الأخلاق والعلم ؛ لأنه تربية رب العالمين
ليكون السراج المنير والمثل الأعلى والقدوة العظمى للإنسانية جمعاء , أدبه ربه
فأحسن تأديبه , فكان قرآناً نابضاً حياً متحركاً , وحينما سُئلت عائشة عن أخلاقه
أجابت : كان خلقه القرآن .
وكان صلى
الله عليه وسلم في كل شيء وكأنه متخصص فيه ، وكان صلى الله عليه وسلم واعظاً
ومرشداً أميناً يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , وكان متحلياً بمحاسن
الأخلاق وهي التي جعلت منه أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل , بل كان صلى الله
عليه وسلم مربياً وهادياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام , لهذا أمر الله
المؤمنين بإتباع الرسول وطاعته , وجعل هذا من مؤشرات الحب في الله , قال تعالى : [قُلْ إِنْ
كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ] {آل عمران:31}([22])
4- القدوة المقيدة :
نعني بالقدوة المقيدة , أي بما
شرعه الله لأنها غير معصومة , كما هي في
الصالحين والأتقياء من عباد الله وتتمثل في الاقتداء بالصحابة والعلماء والاقتداء
بالوالدين وبالمعلم في المدرسة والجامعة والسبب في ذلك أنهم ليسوا معصومين من
الخطأ فهم بشر يصيبون ويخطئون والمسلم يقتدي بهم عندما يصيبوا الحق , ويجتنب
الاقتداء عند مجانبتهم للصواب حيث رغب الحق تبارك وتعالى أن يكون الإنسان قدوة في
الخير وحذره أن يكون قدوة في الشر , قال صلى الله عليه وسلم : (من سنَّ في الإسلام
سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غيـر أن ينقص من أجورهم شيء , ومن
سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أوزارهم شيء).
([23])
نأخذ من
الحديث أن الوسطية التي هي إحدى مرتكزات العملية التربوية في الإسلام , إن الدين
لا يلغي حسنات الآخرين لخطأ وقعوا فيه , ولا يُقرر أخطاء القدوة المخطئ وإن أصاب
في بعض الجوانب , وإنما يربي الشخصية الإسلامية على قبول الحق من أي وعاء صدر ورفض
الخطأ من أي مصدر كان . حيث جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال : قال صلى الله
عليه وسلم : (الكلمةُ
الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها) ([24])
أركان القدوة
وأصولها :
لا تتحقق القدوة
في الشخص إلا إذا اجتمعت لديه مجموعة من الأركان والخصائص التي تجعله قدوة في نظر الآخرين
ومن جملة ذلك:
الصلاح :
وهي حالة أو
هيئة تظهر عند الشخص تكون نتيجة عوامل متعددة من أبرزها: الأيمان وحسن الاعتقاد
بالدين الذي ينتسب إليه والفضائل التي ينادي بها . وكذلك لا بد من توفر العبادة
وهي العمل بأحكام ذاك الدين والشرائع التي سُنّت فيه، وبالتالي الابتعاد عن كل
ما هو مخالف لهذه الشريعة، ثم ان الصلاح يحصل من خلال الإخلاص
والذي هو الأساس الهام للصلاح لأنه هو العنصر الذي يظهر ويتجلى في حركات وسكنات
المقتدى. فبواسطته يبتعد المقتدى عن الأهواء النفسانية والأغراض الدنيوية قولاً
وعملاً، وبه تتجلى حقيقة العبادة.
ولأن
الإخلاص أمر به الحق تبارك وتعالى فقال في كتابه الكريم : [وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ] ([25]) ، وقوله تعالى : [قُلِ اللهَ
أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي] ([26]) ، لذلك ينبغي على القدوة أن
يتزود بالإخلاص في عبادته وذكره لله وفي جهاده وسائر أعماله ، وما يقوم به من وعظ
وإرشاد وتوجيه ونصح وما يقدمه من خدمات لأمته ومجتمعـه وبقـدر ما يملك من تطبيق
وعمل صادق مخلص يكون نجاحه في عمله وثقة الناس به تزداد لأنه يعمل بما يقول مخافة
الله بعيداً عن أغراض النفس ونظر الناس ،
يبتغي وجه الله وتحقيق مرضاته ، قال تعالى : [إِنَّا أَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ] ([27]) .
حسن الخلق
:
لعل حسن الخلق عامل أساسي في شخصية القدوة، يتجلى ويظهر عند تعامل المقتدى مع
الناس. ومن هنا جاء قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما بعثت لأتمم
مكارم الأخلاق" (2)للدلالة على جوانب
القدوة في شخصيته إذ يبين ما تحتويه وما تختزنه هذه الشخصية من مكارم وفضائل
ولتبين أهداف البعثة والتي هي إيصال الأخلاق إلى أوجها، مما يجعل هذه
الشخصيات محط أنظار الغير ومؤثرة في حركتها وحياتها الاجتماعية.
من جهة أخرى فقد تحدث الإسلام وحدد بعض المفاهيم التي تندرج في إطار تحسين الأخلاق
في التعامل مع الآخرين ومن ابرز ما جاء: الصدق، الصبر، الرحمة، الرأفة، الشفقة،
التواضع...
موافقة
القول العمل :
ان من المقتضيات الأساسية لصيرورة الشخص قدوة ان يشاهده المقتدون وقد توافق قوله
مع عمله لان الناس تدرك حقيقة المفاهيم والفضائل إذا تجلت افعالاً.
وقد تحدث القرآن الكريم حول أهمية الموافقة بين القول والعمل موجهاً خطابه إلى
المؤمنين :﴿ يا
أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونكَبُرَ مَقْتاً
عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾([28])
وقد توجه النبي شعيب عليه السلام إلى قومه كما يحدثنا القرآن
الكريم: ﴿ وَما
أُريدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْه﴾ ([29])
الابتعاد
عن مواطن الشبهات :
قد يكون الشخص صالحا حسن الأخلاق عاملا بما يقول ولكنه لا يؤثر في الآخرين
لكثرة اقترابه من مواطن يشتبه بها بحيث لا يمكن للآخرين التمييز فيها بين الحق
والباطل وبين نسبة الفعل الباطل إلى فلان أو إلى فلان، فقد ينسبون ذلك إلى الإنسان
الصالح جهلاً، وهنا يترتب على الإنسان مسؤولية الابتعاد عن مواطن الشبهات .
طبعا المسؤولية
هنا مزدوجة حيث ينبغي على المؤمن الابتعاد عن مواطن الشبهة وعليه أيضا الابتعاد عن
سوء الظن والتسرع في نسبة الأحكام.
عدم
التكلف :
من جملة الأمور التي يمكن الحديث عنها كأساس واصل للقدوة، ان لا يتكلف الشخص ذلك
فلا يفعل ليرى الناس وليماري في عمله ، بل القدوة هو الذي يؤمن ويعتقد ويعمل بذلك
من دون تكلف ولا مجاراة ولا طلب من احد ، فهو شخص يعيش ضمن إطار قناعاته فبتصرف
على أساس ذلك في السر والعلن . ولعل هذا الأمر موقوف والى درجة كبيرة على مقدار
تربية الشخصة نفسه وجعلها تتحرك في إطار الكمالات وذلك في كافة تفاصيل الحياة
الاجتماعية. ([30])
الفصل الرابع : الدوافع النفسية للإقتداء: وهو جواب عن السول الثالث من
الأسئلة الفرعية .
الاعجاب :
إن
الإنسان عندما يعجب بسلوك معين ، أو بشخصية ، يجد انجاباً نفسيا داخلياً للاقتداء
بها في عموم السلوك والأخلاق ، أو في جزيات معينة ، وتجد أن الدافع لذالك هو حب
التناجس مع هذه الشخصية ، نتيجة الإعجاب .
وهذا يطلب
من المربي سواءً كان من الوالدين أو غيرهما أن يكون شخصية جذابة في سلمكه وعموم
أفعاله أخلاقه ، حتى يغرس في أبنائه وطلابه الميل النفسي نحوه . ([31])
التنافس :
يعتبر التنافس بين الأفراد
والجماعات والمجتمعات من العوامل التي تثير عملية الاقتداء واالتأسي ، لأن التنافس
سوي يكون مبنياً على الرغبة في التماثا ، والتسابق ، دون أن يوافق ذالك رغبة في
زوال ما عنذ اآخرين ، وإلا تحول إلى حسد بغيض ، مرفوض شرعاً وطبعاً .
وخير التنافس ما ما قرب العبد من
ربه وقرب الأمة من طاعة الله ، وهذا ما يسمى بالغبطة ، "وهي رغبة في النفس ان
يكون لها مثل ما لغيرها ، وهي ممدوحة أيضاً ، لأنها تنتهي غالباً بالمنافسة إذا
صحبتها العزيمة ، وجب العمل ." ([32])
الشعور بالعجز :
إن الشعور بالعجز ، أو النقص في
بعض جوانب الشخصية ، يدفع المرء إلى الاحيذاء بن يرى أنهم متفوقون عليه في ذالك
الجانب الذي أخفق في تحقيقه ، ويرى أن في تقليدهم لذالك مخرجاً وعلاجاً قد يتقله
ويخرجه مما يعاني منه .
وهذا يحدث على مستوى الأفراد وعلى
مستوى المجتمعات ، حيث إن المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب ، وذالك أن النفس تعتقد
الكمال في من غلبها ، وانقادت إليه إما لنظره بالكمال أو تُغالطه به من أن انقادها
ليس لغلب طبيعي وإنما هو لكمال الغالب . ([33])
فإذا عرف الانسان هذه الخاصية
فعليه أن يحترز من مغبة الولع بمن لهم حظ في الشهرة ، فيقتدي بهم دون أنيعرض ذالك
على المنهج الاسلامي ، فإن رأى أن فيه خيراً أخذ به ، وأن رى أن فيه مفسدة تركه ،
ولا يكن وراء كل نداء وقول إلا نداء الحق .
وهنا ينبغي معالجة نت يندفع وراء
الحضارة الغربية ممن قل تفكيرهم ووهن نقدهم ، وضعفت بصيرتهم ، من خلال : تربيتهم
على أن الاسلام عزيز ، وأن عليهم الاعتزاز به ، وبكل ما جاء فيه ، وبيان خطورة
الحضارة الغربية ، وما فيها من وهن وعجز ، مع بيان ما فيها من جوانب إيجابية ، وأن
نأخذ هذه الجوانب الإيجابية طالما أنها تنفعنا ولا تتعارض مع المنهج الاسلامي .
([34])
الفصل الخامس : أهمية القدة الحسنة وأثرها على الفرد
والمجتمع : وهو
جواب عن الوسوال الرئيسي .
تظهر أهمية القدة ، وعظم خطرها في
التربية والنوجيه من حيث كونها من أكبر العوامل البيئة المؤثرة في شخصية المتربي
علي الاطلاق ، لأنها تربية بالعمل والواقع والمثال الحي المشاهد([35])
وتبرز أهمية القدوة
الصالحة من خلال الآتي :
1.
أن أسلوب القدوة يوفر الكثير من الجهد ويختصر الوقت على الأسرة المسلمة في
تطبيق المنهج التربوي مما ينعكس على الطفل في تعلمه وتقبله لهذا المنهج "
فالجانب السلوكي العملي أوقع في النفس وأكثر طمأنينة لها من القول في كثير من
الأحيان "([36])
2.
أن أسلوب القدوة من أنجح الوسائل المؤثر في إعداد الطفل خلقياً وتكوينه
نفسياً وإجتماعياً ، حيث أن المربي هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة في نظر الطفل
ومن ثم يقلده في تصرفاته وسلوكه ، "فإذا أردنا أن ينشأ الطفل متحلياً
بالعادات الجيدة ولأخلاق الحميدة كان علينا أن نوحد له الأسوة الحسنة "([37])
3.
إن القدوة الصالحة تثير في نفوس
الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع التنافس المحمود فيتولد لديهم
حوافز قوية لأن يتمثلوا أخلاق وأفعال قدوتهم .
4.
إن غياب القدوة الصالحة من المجتمع
عامل رئيس في انتشار المنكرات واستفحالها وإفشاء الجهل بين الناس ، ومن هنا تكمن
أهمية القدوة الصالحة ، فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات ، لذلك
فنحن نحتاج إلى قدوات يدعون الناس بأفعالهم لا بأقوالهم ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا
لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا
عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ] ([38])
5.
القدوة الصالحة المتحلية بالقيم
والمثل العليا الحميدة تعطي للناس قناعة بأن بلوغ هذا المستوى الرفيع من الأمور
الممكنة وأنها في متناول قدرات الإنسان وطاقاته . ([39])
6.
إن واقع الناس اليوم يشكو القصور
والانحراف رغم انتشار العلم ، ما لم يقم بذلك العلم علماء وقادة عالمون مخلصون
يصنعون من أنفسهم قدوات في مجتمعاتهم ، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي يفهمه
الجميع ، وهذا يُسهّل في إيصال المعاني الأخلاقية ويحدث التغيير المنشود إلى
الأفضل .
([40])
1 _
آثار القدة الحسنة على الفرد :
وهي تتمثل في الآتي
:
1- إن القدوة الصالحة يجعل المسلم على اتصال دائم
بالخالق ؛ لأنه يُذكّره بالطاعة والإخلاص
في النية والعمل ، وإذا تمكن الإخلاص من القلب أصبح الإنسان يبتغي مرضاة الله
ورضوانه في كل عمل يقوم به ، ويجعل الله رقيباً عليه في حركاته وسكناته ، قال
تعالى : [وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] ([41]).
2- القدوة الصالحة تربي
الشخصية المسلمة القوية ذات الشكيمة والإرادة الحديدية ؛ لأنها تنشئ في روح الفرد
العزة والكرامة ورفض الظلم والاحتلال ، فلا تلين له قناة أمام الطغاة والمتجبرين
لأنه يعتز بقدوته التي جاءت بكل ما تملك من أجل تحقيق معاني الخير للمجتمع، فقدمت
النفس والمال والنفيس في سبيل الله .
3- تُنمي القدوة الحسنة
الفضائل والأخلاق الحميدة في نفوس الأفراد ويتضح ذلك من خلال حديثنا عن صفات
القدوة الحسنة حيث وجدناها تتصف بصفات أخلاقية وقيم عليا إذا تحققت في الفرد
المسلم أصبح في قمة سامقة ينظر نظرة إنسانية إلى جميع القضايا التي تواجه الناس
جميعاً .
4- القدوة الحسنة تشحن
الأفراد بالتقوى ومعرفة الله وتعزز في نفوسهم الثقة والأمل بالمستقل المستمد من
نصر الله وثوابه للمؤمنين فينطلق المؤمن بشحنات إيمانية مستمدة من قادته وقدواته
يدفعه إلى فعل الخير والبر والإحسان وبالمقابل محاربة الفساد والمنكر وكل ضارٍ في المجتمع
.
5- التربية بالقدوة تعمل
عملها في تكوين الإنسان الصالح الذي يظهر عليه ملامح التقوى والخشوع والحياء ، وهو
المؤمن القوي الذي لا يدخل الوهن إلى قلبه ، الإنسان الذي يحب لأخيه كما يحب لنفسه
الحب الخالص الذي لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً ولا يهدف إلا لكسب الحب في الله
سبحانه .
6- الاقتداء بالقدوة الصالحة
ينشئ التوازن والاعتدال في سلوك الأفراد وشعوره ؛ لأن طاقته في ظل المنهج الرباني
كلها تعمل وتأخذ نصيبها من الحياة بحيث يُصبح قوة فاعلة في المجتمع ، فهو إيجابي
واجتماعي حريص على مصلحة مجتمعه ([42]) .
7- ومن آثار القدوة الصالحة
أنه يُبصّرك بعيوبك ويرشدك إلى الأسلوب الأمثل في التخلص منها ، من خلال مقارنة
أعمالك وسلوكك بما عليه قدوتك الصالح فتتأسى به وتصلح تلك العيوب
8- ومنها أن القدوة الصالح
يعلم الإنسان ويرشده إلى فعل الخيرات ، فيدلك على أمور واجبة كنت غافلاً عنها أو
متكاسلاً عن أدائها ويشجعك على المشاركة في مشروعات الخير والبر والإحسان .
9- إن القدوة الصالحة سببٌ
في دخول الإنسان ضمن الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون يوم القيامة ، وهي ضمانٌ
لاستمرار الصحبة ، ([43]) قال تعالى : [الأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ] ([44]) .
2
_ الآثارالقدوة الحسنةعلى المجتمع
:
إذا كانت التربية بالقدوة لها
الدور الكبير في إعداد الفرد الصالح فإن ذلك يؤدي إلى النجاح في تكوين المجتمع
الصالح ؛ لأن الفرد نواة الأسرة ، والأسرة هي نواة المجتمع ، وبذلك نستطيع حصر هذه
الآثار في الآتي :
1- إن القدوة
الحسنة لا يعيش مشغولاً بذاته بل يمد يديه بالخير والعون ويعطي إلى المجتمع ما
يزيده أمناً وسلاماً ؛ لأنه يعرف معنى الإنسانية ويدرك مسئوليات الأخوة في المجتمع
، قال تعالى : [وَتَعَاوَنُوا
عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ]. ([45])
2- التربية
بالقدوة تعمل على توحيد المجتمع الإسلامي بحيث يعمل أعضاؤه في بوتقة واحدة متضامنة
في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهذا مطلب تربوي إحياء
المنهج الإسلامي من خلال جعل المسلمين جسماً واحداً يشعر الجميع بشعور واحد ، قال
تعالى : [وَالمُؤْمِنُونَ
وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ]. ([46])
3- إن
التربية بالقدوة تغرس الروح الجماعية في قلب الفرد المسلم من خلال أن الجميع
يقتدون بقدوتهم الذي هو المثال الحي في البذل والعطاء والتضحية والفداء ، وعندما
أحب الناس القدوة الأول محمد صلى الله عليه وسلم قام المجتمع الإسلامي الفريد ،
مجتمع البذل والعطاء ، مجتمع كل فرد فيه يشكل أمة لأنه تربى على الينبوع الأساسي
القرآن الكريم وأخذ منه توجيهاته الربانية .
4- التربية
بالقدوة تعمل على تربية الناس خلقياً وروحياً وتربطهم بالله رب العالمين ، كما
أنها تقوي المجتمع من الناحية الإرادية ؛ لأن الجميع تربى على الصبر والمصابرة
وتحمل الصعاب من أجل المبدأ والفكر الذي آمن به . ([47])
تتضمن ملخص البحث و أهم النتائج والتوصيات التي توصل إليها البحث :
وفي ضوء ما تقدَّم: يجب أن نرسِّخ في أذهان أطفالنا وناشئتنا منذ نعومةِ أظافرِهم معنى القدوة الحسنة وأن نربيهم على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة أسوةً بخير الخلق محمد، وتنفيذاً لتعاليم ديننا الحنيف، وأن نعوّدهم على تلاوة كتاب الله تعالى، وتدبُّر معانيهِ وتمثلها، وقراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لترسخ في نفوسهم بذور الخير والصّلاح والإيمان وذلك لبناء مجتمع الصالح .
ويجب علينا أن نبتعد نحنُ أوّلاً عن إتيانِ ما ننهى أولادنا عن فعله؛ِ لأنّ الولد يتشبّه بأبيهِ وأمّهِ ومُعلّمه ويتقمّص شخصياتهم ويقلِّدهُم بأفعالهم إيجابيّةً كانت أم سلبيّة، وبهذا الصدد يقول :
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتِ بمِثْلِهِ *** عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عَظيمُ .
أهم نتائج
البحث :
1- إن
التربية بالقدوة من أفضل الأساليب التربوية وأكثرها انتشاراً قديماً وحديثاً .
2- التربية
بالقدوة تنمي محبة الناس لمن يتخذونه قدوة لهم .
3- القدوة
الصالحة تولد القناعة التامة بما يطرحه على الناس ويدعو إليه من إصلاحات في
المجتمع .
4- تعمل
القدوة الحسنة على سرعة الامتثال والتطبيق لكل ما هو مفيد للمجتمع ، بدون حرج ولا
ممانعة من المقتدين ، بل استجابة وتطبيق .
التوصيات والمقترحات :
1_نحن اليوم في أمسّ
الحاجة إلى القدوة الصالحة؛ بسبب الضعف الذي أصاب حياة المسلمين، من خلال غلبة
الأهواء، وإيثار المصالح الخاصة، وقلة القادة المخلصين، والعلماء العاملين،
والدعاة الصادقين .
2_إن موضوع القدوة الصالحة من
الموضوعات التربوية القرآنية الهامة الذي يتطلب من الباحثين في مجال التربية
والدراسات القرآنية كتابته في كتاب مستقل ؛ لأن المادة العلمية حوله كثيرة
ومتناثرة في مراجع عديدة .
([24]) سنن الترمذي
4/314 , حديث رقم : 2696 . و الدور التربوي للأسرة في غرس الإيثار في مرحلة
الطفولة ، رسالة ما جستر ، صالح بن غانم المهاوش ، كلية الدعوة وأصول الدين ،
الجامعة الإسلامية بالمدينة ، 1433/1434ه
([47]) النظرية التربوية الإسلامية
، أمال المرزوقي ، ص( 108) و منهج التربية الإسلامية ، محمد قطب 1/228)
المراجع
والمصادر
1.
النظرية التربوية الإسلامية
، آمال حمزة المرزوقي ، ط1 (1402هـ-1982م)
2.
منهج التربية الإسلامية ،
محمد قطب ، ط4 (1400هـ-1980م) ، دار الشروق
3. و مسؤلية الأسرة في تحقيق المن التربوي للطفل ،
رسالة ماجستر ، رشدي مامو أوان طاهر فتاني ، كلية الدعوة أصول الدين ، الجامعة
الإسلامية ، المدينة المنورة ، 1433/144ه .
4.
أصول التربية ، عبدالرحمن النحلاوي ط1 (1399هـ-1979م) ، دار
الفكر
5.
اصول التربة الاسلامية ، خالد الحازمي /ط 2 مكتبة دار
الزمان للنشر والتوزيع 1430ه
6.
تربية الأطفال في ضوء الكتاب والسنة ، يوسف بدوي ومحمد قاروط
7.
صحيح مسلم ، بيت الأفكار الدولية للنشر
والتوزيع ، ط 1419
8.
سنن الترمذي محمد بن عيسى الترمذي، الناشر: دار
الغرب الإسلامي - بيروت 1998 م
9.
تيسير القرآن الكريم في تفسير الكلام المنان ، عبدالرحمن بن ناصر السعدي ط دار
الصفا
10.
غزو في الصميم ، عبد الرحمن
حبنكة الميداني ، ط1 ، دار القلم
11.
المعجم الوسيط ،
(إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار) الناشر: دار
الدعوة
12.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، ط (1413هـ-1993م) ، دار الكتب العلمية
13.
القدوة مبادئ ونماذج ، صالح بن حميد ، وزارة الشؤون
الإسلامية ، الرياض
14.
أصول التربية
الاسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع ،عبدالرحمن
النحلاوي ط1 (1399هـ-1979م) ، دار الفكر
15.
تفسير ابن كثير ناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة:
الثانية 1420هـ - 1999 م
16.
أساليب التربية الاسلامية ، عبدالرحمن النحلاوي ط1
(1399هـ-1979م) ، دار الفكر
17.
مسؤلية السرة في تحقيق الأمن التربوي ، رسالة ماجستر ، كلية الدعوة
وأصول الدين ، رشدي مامون أوان طاهر فتاني ، الجامعة الاسلامية بالمدينة ،
1433_1434ه
18.
وتنمية القيم الأخلاقية لدى الطلاب المرحلة
الإبتدائية....، رسلة ماجستر ، حامد بن معض
بن شعبان السهلي،كلية الدعوة وأصول الدين ، الجامعة الاسلامية بالمدينة :1433_1434
19.
القدوة الحسنة ووسائطها التربوية في تربية
النشء والشباب ،
رسالة ماجستر ،أحمد بن صالح القحطاني ، جامة أم درمان الاسلامية ، 1427ه
20.
الدور التربوي
للأسرة في غرس الإيثار في مرحلة الطفولة ، رسالة ما جستر ، صالح بن غانم
المهاوش كلية الدعوة وأصول الدين ،
الجامعة الإسلامية بالمدينة ، 1433/1434ه
21.
دور الأسرة في تربية الطفل على أذكار
النبوية ، رسالة علمية (الماجستر) عثمان بن محمد بن عبد الماجد ، كلية الدعوة
وأصول الدين 1427 _1428، الجامعة الاسلامية بالمدينة
القدوة
وأثرها في التعليم والتعلم في منهج التربية الاسلامية ، رسالة علمية (الماجستر)
طارق بن عبد الله عبد القادر حجار ، كلية الدعوة وأصول الدين 1433 _1434، الجامعة
الاسلامية بالمدينة.